سورة الأنفال - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء} اختلفوا، هل الغنيمة والفيء بمعنى واحد، أم يختلفان؟ على قولين.
أحدهما: أنهما يختلفان. ثم في ذلك قولان. أحدهما: أن الغنيمة: ما ظُهر عليه من أموال المشركين، والفيء، ما ظُهر عليه من الأرضين، قاله عطاء بن السائب. والثاني: أن الغنيمة: ما أُخذ عنوةً، والفيء: ما أُخذ عن صلح، قاله سفيان الثوري. وقيل: بل الفيء: ما لم يوجَفْ عليه بخيل ولا ركاب، كالعشور، والجزية، وأموال المهادنة، والصلح، وما هربوا عنه.
والثاني: أنهما واحد، وهما: كل ما نيل من المشركين، ذكره الماوردي. وقال الزجاج: الأموال: ثلاثة أصناف؛ فما صار إلى المسلمين من المشركين في حال الحرب، فقد سماه الله تعالى: أنفالاً وغنائم، وما صار من المشركين من خراج أو جزية مما لم يؤخذ في الحرب، فقد سماه: فيئاً؛ وما خرج من أموال المسلمين كالزكاة، والنذر والقرب سماه: صدقة. وأما قوله: {من شيء} فالمراد به: كل ما وقع عليه اسم شيء. قال مجاهد: المِخْيَط من الشيء.
قوله تعالى: {فَأَنَّ لله خُمُسَهُ} وروى عبد الوارث: {خُمْسَهُ} بسكون الميم. وفي المراد بالكلام قولان:
أحدهما: أن نصيب الله مستَحَقٌ يُصرف إلى بيته. قال أبو العالية: كان يجاء بالغنيمة فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على خمسة أسهم، فيقسم أربعة بين الناس، ثم يجعل من السهم الخامس للكعبة؛ وهذا مما انفرد به أبو العالية فيما يقال.
والثاني: أن ذِكر الله هاهنا لأحد وجهين. أحدهما: لأنه المتحكِّم فيه، والمالك له، والمعنى: فان للرسول خمسة ولذي القربى، كقوله: {يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول} [الأنفال: 1]. والثاني: أن يكون المعنى: إن الخمس مصروف في وجوه القُرَب إلى الله تعالى، وهذ قول الجمهور. فعلى هذا، تكون الواو زائدة، كقوله: {فلما أسلما وتلَّه للجبين وناديناه} [الصافات: 103] المعنى: ناديناه، ومثله كثير.
فصل:
أجمع العلماء على أن أربعة أخماس الغنيمة لأهل الحرب خاصة، فأما الخمس الخامس، فكيف يقسم؟ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: يقسم منه لله وللرسول ولمن ذكر في الآية. وقد ذكرنا أن هذا مما انفرد به أبو العالية، وهو يقتضي أن يقسم على ستة أسهم.
والثاني: أنه مقسوم على خمسة أسهم: سهم للرسول، وسهم لذوي القربى، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل، على ظاهر الآية، وبه قال الجمهور.
والثالث: أنه يقسم على أربعة أسهم. فسهم الله عز وجل وسهم رسوله عائد على ذوي القربى، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذ منه شيئاً، وهذا المعنى رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
فصل:
فأما سهم الرسول الله صلى الله عليه وسلم، فانه كان يصنع فيه ما بيَّنَّا.
وهل سقط بموته، أم لا؟ فيه قولان:
أحدهما: لم يسقط بموته، وبه قال أحمد، والشافعي في آخرين. وفيما يُصنَع به قولان:
أحدهما: أنه للخليفة بعده، قاله قتادة.
والثاني: أنه يُصْرَفُ في المصالح، وبه قال أحمد، والشافعي.
والثاني: أنه يسقط بموته كما يسقط الصفيُّ، فيرجع إلى جملة الغنيمة، وبه قال أبو حنيفة. وأما ذوو القربى، ففيهم ثلاثة أقوال.
أحدها: أنهم جميع قريش. قال ابن عباس: كنا نقول: نحن هم؛ فأبى علينا قومنا، وقالوا: قريش كلها ذوو قربى.
والثاني: بنو هاشم، وبنو المطلب، وبه قال أحمد، والشافعي.
والثالث: أنهم بنو هاشم فقط، قاله أبو حنفية. وبماذا يستحقون؟ فيه قولان:
أحدهما: بالقرابة، وإن كانوا أغنياء، وبه قال أحمد، والشافعي.
والثاني: بالفقر، لا بالاسم، وبه قال أبو حنيفة. وقد سبق في [البقرة: 177] معنى اليتامى والمساكين، وابن السبيل. وينبغي أن تُعتبر في اليتيم أربعة أوصاف: موت الأب، وإن كانت الأم باقية، والصِّغَر لقوله عليه السلام: «لا يُتْمَ بعد حُلُم» والإِسلام، لأنه مال للمسلمين. والحاجة، لأنه مُعَدٌّ للمصالح.
قوله تعالى: {وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان} هو يوم بدر، فُرق فيه بين الحق والباطل بنصر المؤمنين. والذي أُنزل عليه يومئذ قوله: {يسألونك عن الأنفال} [الأنفال: 1] نزلت حين اختلفوا فيها، فالمعنى: إن كنتم آمنتم بذلك، فاصدروا عن أمر الرسول في هذا أيضاً.


قوله تعالى: {إذ أنتم بالعِدوة الدنيا} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو: {بالعِدوة} و{العِدوة} العين فيهما مكسورة. وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: بضم العين فيهما. قال الأخفش: لم يُسمع من العرب إلا الكسر. وقال ثعلب: بل الضم أكثر اللغتين. قال ابن السِّكّيت: عُدوة الوادي وعِدوته: جانبه؛ والجمع: عُدىً وعِدىً. والدنيا: تأنيث الأدنى؛ وضدها: القصوى، وهي تأنيث الأقصى؛ وما كان من النعوت على فُعلى من ذوات الواو، فان العرب تحوِّلُه إلى الياء، نحو الدنيا، من: دنوت؛ والعليا، من علوت؛ لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف، إلا أن أهل الحجاز قالوا: القُصوى، فأظهروا الواو، وهو نادر؛ وغيرهم يقول: القصيا. قال المفسرون: إذ أنتم بشفير الوادي الأدنى من المدينة، وعدوُّكم بشفيره الأقصى من مكة، وكان الجمعان قد نزلا وادي بدر على هذه الصفة، والركب: أبو سفيان وأصحابه. قال الزجاج: من نصب {أسفلَ} اراد: والركب مكاناً أسفلَ منكم، ويجوز الرفع على المعنى: والركب أشدُ تسفُّلاً منكم. قال قتادة: وكان المسلمون أعلى الوادي، والمشركون أسفله.
وفي قوله: {ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد} قولان:
أحدهما: لو تواعدتم، ثم بلغكم كثرتهم، لتأخَّرتم عن الميعاد، قاله ابن اسحاق.
والثاني: لو تواعدتم على الاجتماع في المكان الذي اجتمعتم فيه من عِدوتي وادي بدر لاختلفتم في الميعاد، قاله أبو سليمان. وقال الماوردي: كانت تقع الزيادة والنقصان، أو التقدم والتأخر من غير قصد لذلك.
قوله تعالى: {ولكنْ ليقضيَ الله أَمراً كان مفعولاً} وهو إعزاز الإسلام، وإذلال الشرك.
قوله تعالى: {ليَهلِكَ من هلك عن بينة} وروى خلف عن يحيى: {ليُهلَك} بضم الياء وفتح اللام.
قوله تعالى: {ويحيى من حيَّ عن بينة} قرأ أبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: {من حيَّ} بياء واحدة مشددة، وهذه رواية حفص عن عاصم، وقنبل عن ابن كثير. وروى شِبْلٌ عن ابن كثير، وابو بكر عن عاصم: {حيِي} بياءين الأولى مكسورة، والثانية مفتوحة، وهي قراءة نافع. فمن قرأ بياءين، بيَّن ولم يُدغم، ومن أدغم ياء {حيي} فلاجتماع حرفين من جنس واحد. وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: ليُقتَل من قُتل من المشركين عن حُجة، ويبقى من بقي منهم عن حُجة.
والثاني: ليكفر من كفر بعد حُجة، ويؤمن من آمن عن حُجة.


قوله تعالى: {إذ يريكهم الله في منامك قليلاً} فيه قولان:
أحدهما: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم رأى عسكر المشركين في المنام قبل لقائهم في قلَّة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال مجاهد: لما أخبر أصحابه بأنه رآهم في المنام قليلاً، كان ذلك تثبيتاً لهم. قال أبو سليمان الدمشقي: والكلام متعلق بما قبله، فالمعنى: وإن الله لسميع لما يقوله أصحابك، عليم بما يضمرونه، إذ حدثتَهم بما رأيت في منامك.
والثاني: إذ يريكهم الله بعينك التي تنام بها، قاله الحسن. قال الزجاج: وكثير من النحويين يذهبون إلى هذا المذهب. ومعناه عندهم: إذ يريكهم الله في موضع منامك، أي: بعينك؛ ثم حذف الموضع، واقام المنام مقامه.
قوله تعالى: {لفشلتم} أي: لجبنتم وتأخَّرتم عن حربهم. وقال مجاهد: لفشل أصحابك، ولرأوا ذلك في وجهك.
قوله تعالى: {ولتنازعتم في الأمر} أي: لاختلفتم في حربهم، فكان ذلك من دواعي هزيمتكم، {ولكنَّ الله سلم} من المخالفة والفشل.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14